2023 ,02 Aug

الإهمال الطبي المتعمد لصحة السجناء في البحرين: قتل بطيء ممنهج

ما هو الإهمال الطبي المتعمد، وكيف تستعمله السلطات البحرينية كأداة قمع وعقاب سياسي: 

 

يمارس النظام البحريني، بحسب شهادات السجناء ومنظمات حقوقية، بشكل مستمر الإهمال الطبي المتعمد كوسيلة لانتهاك حقوق الإنسان والقتل البطيء الممنهج، وخاصة فيما يتعلق بالسجناء السياسيين.  تنتهك هذه الممارسة ليس فقط المبادئ الأساسية للأخلاق الطبية وحقوق الإنسان، بل تسلط الضوء كذلك على سلوك متعمد مقلق يتعلق باستخدام الرعاية الصحية كوسيلة للعقاب السياسي. تهدف هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على قضية الإهمال الطبي كانتهاك لحقوق الإنسان واستخدامه كشكل من أشكال العقاب للسجناء السياسيين في البحرين.

 

الإهمال الطبي كانتهاك لحقوق الإنسان:

  • حق الصحة: يعتبر الحق في الصحة من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها في المعايير القانونية الدولية. يحرم الإهمال الطبي الأفراد من حقهم في تلقي الرعاية الطبية المناسبة، مما يؤدي إلى المضاعفات الصحية، وفي حالات شديدة، الموت. 

 

  • التعذيب والمعاملة السيئة: يمكن اعتبار منع الوصول للعلاج أو تقديم رعاية طبية غير كافية للسجناء السياسيين شكلاً للتعذيب أو المعاملة السيئة، كما يعرفها القانون الدولي لحقوق الإنسان. 

 

  • انتهاك أخلاقيات الطب: يتناقض الإهمال الطبي مباشرة مع قسم أبقراط ومبادئ أخلاقيات الطب، التي تؤكد على واجب الأطباء والعاملين في المجال الصحي تقديم عناية ورعاية جيدة لجميع المرضى، بغض النظر عن وضعهم السياسي أو القانوني.  

 

بعض ممارسات النظام البحريني للإهمال الطبي المتعمد: 

1- منع الوصول للرعاية الصحية الملائمة: عبر إلغاء مواعيد مراجعات الأطباء، أو منع الفحص من قبل أخصائيين، أو إجراء مواعيد دون معدّات مناسبة أو ضمن المشفى، والاستعاضة عنها بفحص عام لطبيب غير مطلّع على الحالة ضمن غرفة أقرب إلى الصندوق، لا تحتوى أي تجهيزات طبية، خارج المشفى العسكري. 

أحد الأمثلة على ذلك،  

في ليلة 28 فبراير 2022، نُقِل الخواجة إلى مستشفى الطوارئ بسبب مشكلة قلبية، وهناك طلب الطبيب أن يُحوّل الخواجة إلى أخصائي قلب حيث يُعتبر الخواجة معرضاً إلى خطر الإصابة بالسكتة أو الجلطة القلبية. لكن إدارة سجن ما تزال تمنع الخواجة من الوصول إلى موعد مع متخصص بالأمراض القلبية، وقد حرمته من هذا الموعد 7 مرات حتى الآن. 

وُجهت انتقادات شديدة للوضع العام في السجن، وخاصة الحرمان من الحصول على العلاج الطبي المناسب، من قبل الجهات الدولية لمرات عديدة سابقاً. وأوضح الخواجة الوضع قائلاً: “عندما أنظر إلى الصورة الكاملة، لا يسعني إلا أن أستنتج أنها نوع من الموت البطيء. إنهم يحاولون إنهاء حياتنا من خلال عدم توفير العلاج والرعاية الصحية. خاصة مع الحالات التي هي أسوأ بكثير من حالتي. يبدو أن هذا القرار قد تم اتخاذه على أعلى المستويات”.

بالإضافة إلى ذلك، شُخّص عبد الهادي الخواجة بمرض الغلوكوما (المياه الزرقاء) في 1 أبريل من 2022، لكنه حُرم من العلاج منه حتى لحظة كتابة هذه الورقة. عبد الهادي الخواجة لديه تاريخ عائلي مع الغلوكوما، حيث تعالج والده منه وجدته أصيبت بالعمى بسببه أيضاً. رُفضت المواعيد الطبية مع أخصائي عيون باستمرار منذ تاريخ التشخيص حتى يومنا هذا. 

يعانى أيضاً عبد الهادي الخواجة من آلام مبرحة في ظهره الناجمة عن آثار التعذيب الذي تلقاه أثناء احتجازه عام 2011، وهو ما يزال محروماً من العلاج لأجله حتى الآن. تعرض عبد الهادي الخواجة للضرب حتى فقد وعيه أمام عائلته في 9 أبريل 2011 ، أصيب خلالها بأربع كسور في وجهه تطلبت عملية جراحية لمدة أربع ساعات لإعادة الوصل. بعد الجراحة مباشرة تعرض للتعذيب في المستشفى العسكري ، وبعد ذلك تم نقله إلى سجن عسكري تحت الأرض حيث تعرض لتعذيب شديد جسديًا ونفسيًا وجنسياً لمدة شهرين تقريبًا.

نشاهد هنا حالات متعددة أخرى للإهمال الطبي المتعمد بما يُثبت أن حالة الخواجة ليست حالة استثنائية، بل هي سلوك ممنهج من إدارة سجن جو لتعريض السجناء للأخطار المتعددة ومفاقمة أمراضهم، وأن الإهمال الطبي المتعمد هو حالة قصديّة لقتل السجناء. 

2- تأجيل وصول الأدوية أو اختفائها: حتى بعض مواعيد الأطباء، تتأخر الأدوية أو توصل حتى بعد تغير الأعراض. كما تأخذ بعد الوصفات، كالنظارات، والتي تمنع إدارة السجن عائلة السجين من شرائها، اكثر من عشرة أشهر تقريباً. وفي الحالات الشديدة تختفي أدوية بعض السجناء ويحرمون منها. 

حيث تحدثت عائلة السجين محمد حسن الرمل عن حالة اختفاء الأدوية الموصوفة له من مستشفى العسكري بدلاً من ذلك يجري استلامها من قبل رجال الحراسة الأمنية وعدم توصيلها له. محمد حسن الرمل  هو معتقل رأي في الستينات من عمره،  ويعاني من عدة أمراض تحتاج إلى العلاج الملائم، وجسده لا يحتمل الاهمال الطبي وعدم الانضباط باستخدامها كما حددها الطبيب، ما يُعرضه لتطوير مشاكل صحية أخرى، لا سيما مع فقدانه الكثير من وزنه بسبب الإضراب عن الطعام المتكرر للوصول إلى حقه في العلاج الطبي. وخاض في شهر مايو إضراباً عن الطعام بسبب استمرار منعه من الوصول للأدوية التي يحتاجها. 

 وتوقف الرمل عن الإضراب بعد معاناة طويلة، وعاد في 18 مايو 2023  إلى الإضراب بسبب عودة الحرمان من الأدوية. 

 

3- النقل المهين والمؤلم عبر المدرعة “الباص التركي”: 

تعتبر المدرعة التركية، المعروفة أيضاً باسم “الباص التركي“، أحد أشهر الرموز السيئة للمعاملة اللاإنسانية للسجناء في البحرين، وتُستخدم بالدرجة الأولى وسيلةً لنقل السجناء. يحوّل الهيكل المعدني القاسي للسيارة إلى فرن خلال فصل الصيف، ما يتسبب بحالاتٍ من الغثيان والتقيؤ والصداع وغيرها من الأعراض المرضية. لا يوجد نوافذ أو تهوية في المركبة، ما يترك السجناء في بيئة خانقة لساعات متتالية، وتتميز المركبة بالكراسي البلاستيكية الصغيرة والضيقة المحاطة بقضبان لتمنع السجناء من الوقوف أو الحركة، لا سيما مع تقييدهم القسري بالأغلال. هناك مركبات بحجمين، فبعضها يحتوي على زنزانة واحدة أو زنزانتين، في كلّ منها ستة كراسي. وتكون المساحة داخل الزنزانات ضيقة لدرجة أنها لا تتسع لستة أشخاص.

 

4- عدم الالتزام  بالحميات الغذائية الموصى بها من الأطباء: في الحالة الصحية لعبد الهادي الخواجة مثلاً، تم التوصية بحمية غذائية مناسبة لارتفاع خطر بالكوليسترول ورفضت إدارة السجن لخمس سنوات الالتزام بهذه التوصيات .

 

5– تعذيب السجناء وسوء المعاملة ضمن المشفى العسكري، ثم إعادتهم لذات المستشفى بغرض العلاج: يعتبر المشفى العسكري، مقراً لتعذيب السجناء، حيث يتم ضربهم هناك بينما ينتظرون العلاج. تم توثيق تعذيب عبد الهادي الخواجة على سبيل المثال ضمن المشفى العسكري قام ضباط الأمن بتعذيب الخواجة مباشرة بعد إجراء عملية جراحية كبيرة في الفك، وهو معصوب العينين ومقيد على سرير المستشفى العسكري. بعدها تم إجبار الخواجة إلى العودة إلى المشفى العسكري للعلاج.  كما أن المستشفى العسكري يرفض تزويد عائلات المعتقلين بالملفات الطبية للسجناء،  حيث يرفض على سبيل المثال تزويد عائلة المعتقل وضحية التعذيب محمد الدعسكي بأية معلومات عن حالته الصحية. 

 

5- حالات وفاة بسبب الإهمال الطبي: 

أدى الإهمال الطبي الشديد إلى عدد من حالات الوفاة. حيث في 9 يونيو 2021، توفي السجين السياسي المحكوم بالمؤبد في سجن جو حسين بركات بعد أن أصيب بفيروس كورونا، وحمل حقوقيون الحكومة البحرينية مسؤولية وفاته وقالوا أن العشرات مثله يعانون من الإهمال الطبي.

وقالت زوجته في تسجيل صوتي نشرته مؤسسة البحرين للحقوق والديمقراطية “Bird” إنها طلبت رؤيته والاطلاع على ملفه الصحي بعد مكالمة بينهما قال فيها إنه يشعر أنه سيموت من شدة المرض ويحث فيها زوجته على التحرك من أجل أن تسمح له السلطات بالخروج للعلاج.

بعد يوم واحد استقبلت زوجة بركات مكالمة من السجن قالوا لها فيها أن زوجها قد توفى بسبب فيروس كورونا. 

ونقلت الناشطة البحرينية ابتسام الصائغ شهادة السجين في سجن جو حسين فاضل البلادي التي يقول فيها في مكالمة بأن السجين حسين بركات هو في حالة خطرة جداً، وأن إدارة سجن جو تمنعه من الوصول للأوكسجين والدواء، وأن الإدارة ترفض خروجه للمستشفى أو نقله للرعاية الصحية. وقال البلادي أن حسين بركات كان يعاني من انخفاض شديد في الضغط وارتفاع في الضغط، وأن الإدارة ترفض علاجه مع ذلك. 

 

كما جاءت وفاة المعتقل السياسي البحريني عباس مال الله -المحكوم بالسجن 15 عاماً- دليلاً جديداً على مدى الإهمال الطبي في سجن جو، حيث أعلنت وزارة الداخلية على موقعها تعرضه لأزمة قلبية صباح 6 أبريل 2021 دون أن تشير للأمراض المزمنة التي كان يعاني منها على مدى عشر سنوات. 

وبحسب “أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين”  فإن عباس مال الله تعرض للتعذيب الشديد وأصيب بطلق (الشوزن) في فخذه من مسافة قريبة خلال اعتقاله، عانى على إثرها من آثار كدمات على الوجه والصدر بسبب الضرب الذي تعرض له، إذ كان مغمى عليه، وبقي في قسم العناية المركز لمدة تزيد عن الأسبوع.

 

كما عانى مال الله من “مشاكل في القلب، وقرحة في المعدة، ومشاكل في القولون بدون أن يتلقى العلاج”.

ووفقاً لشهادة زميله السجين محمود عيسى، فإن عباس سقط مغشيّاً عليه في الساعة 12:10 ليلاً وبدأ زملاؤه بالصراخ والنداء على قوات الشرطة والضرب على الأبواب لمناداتهم، لكن إدارة السجن لم تستجب لصرخات زملاء عباس المطالبة بالمساعدة لإسعافه. 

ورغم صراخ المساجين، لم يتم نقل  عباس إلى المستشفى حتى الساعة 1:30 فجراً، ما يعني أن الحراس استغرقوا 45 دقيقة لاستدعاء سيارة إسعاف رغم غيابه التام عن الوعي. 

 

 خاتمة: 

الحق في الوصول إلى الرعاية الصحية هو من الحقوق الإنسانية المعترف فيها دولياً وأقرّت المنظمات الدولية أن البحرين تُطبّق نمط مروع من الإهمال الطبي على المعتقلين في السجون البحرينية، حيث يحرم الذين يعانون من أمراض خطيرة – مثل: السرطان، والتصلب المتعدد، وفقر الدم المنجلي – من الرعاية المتخصصة والأدوية المخففة للألم، وتمنع المواعيد الطبية والأدوية ويجري التلاعب بالحميات الغذائية لأجل الضرر البحت.

نطالب في حملة “الحرية للخواجة” السلطات في سجن جو، وجميع مرافق الاحتجاز الأخرى في البحرين، إلى التقيد بالقوانين والمعايير الدولية لحقوق الإنسان في معاملتهم للمحتجزين والسجناء. ويجب ضمان تمتع المعتقلين والسجناء بمعايير الرعاية الصحية المتوفرة في المجتمع دون تمييز. 

 

لقراءة المزيد: 

شارك