2023 ,05 Jan

رسالة عبدالهادي الخواجة لرئيس محكمة الاستئناف الكبرى الجنائية الثانية

٥ يناير ٢٠٢٣

بسم الله الرحمن الرحيم، 

حضرة رئيس محكمة الاستئناف الكبرى الجنائية الثانية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بمناسبة إنعقاد جلسة المحكمة اليوم الخميس، ٥ يناير ٢٠٢٣، للنظر في القضية الجنائية رقم ٠٧/٢٠٢٢/٠٩٦٨٠، والتي كانت أساساً مرفوعة ضدي من قبل إدارة سجن جو المركزي ثم النيابة العامة، وذلك بتهمة إهانة دولة أجنبية وهي إسرائيل، و تهمة إهانة موظف عام وهو شرطي متهم بتعذيب السجناء. وحيث أنه قد تم منعي من حضور جميع الجلسات الماضية في المحكمتين الصغرى والإستئنافية، كما تم التأخير المتعمد في إجراءات توكيل محامي الدفاع و زيارته لي في السجن وأيضاً تأخير حصولي على ملف القضايا ضدي، وكل ذلك قد تسبب في تعطيل قدرتي على الدفاع عن نفسي في القضيتين المعروضتين للاستئناف.

وإذ أني أتوقع أن يتم اليوم أيضاً وضع العوائق أمام نقلي من السجن إلى قاعة المحكمة، في حين أنها الجلسة المخصصة لتقديم مرافعة الدفاع، وهي الفرصة الأخيرة لي للدفاع عن نفسي، لذلك فإنني طلبت من محامي الدفاع الانسحاب من جلسة اليوم في حال عدم تمكينه من زيارتي قبل الجلسة، أو عدم تمكيني من حضور الجلسة. وللاسباب نفسها، فإنني أتقدم بهذا الخطاب لهيئة المحكمة، و هو يتعلق بالقضية المنظورة اليوم، كما يتعلق أيضاً بالقضايا المشابهة التي رفعتها ضدي إدارة السجن، أو سوف ترفعها في قادم الأيام، والخطاب موجه أيضاً لكل من يعنيه الأمر أو يهمه صون الحقوق وتحقيق العدالة.

أولاً: في ما يتعلق بهويتي كمتهم:

فقد جاء في أوراق الاتهام بأن مهنتي هي مدير تنفيذي، وتلك كانت وظيفتي فعلاً عندما كنت أعمل في مركز البحرين لحقوق الإنسان والذي تم إغلاقه في ديسمبر عام ٢٠٠٤ و اعتقالي آنذاك و محاكمتي – كل ذلك بسبب إصدار تقارير وعقد ندوات تتعلق بالامتيازات والتمييز في البحرين كإنتهاك للحقوق المدنية والسياسية و تأثير الفساد على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. أما وظيفتي في السنوات التي سبقت إعتقالي في العام ٢٠١١، فقد كنت المنسق الإقليمي لمنظمة الخط الأمامي وهي منظمة دولية معنية بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان ومقرها دبلن في جمهورية إيرلندا.

ثانياً: في ما يتعلق بأسباب وجودي في السجن:

إن أوراق الاتهام قد أشارت لكم بأنني أقضي حكماً بالسجن المؤبد وذلك لإدانتي بمحاولة قلب نظام الحكم وذلك على خلفية مشاركتي كناشط حقوقي في الإنتفاضة الشعبية في البحرين في فبراير[1] ومارس ٢٠١١. والحال أن المحاكم العسكرية والمدنية التي نظرت في تلك القضية قد أخفقت تماما في تقديم أية أدلة قانونية تبرر ذلك الحكم الجائر. فيما وثق تقرير لجنة بسيوني التي عينها الملك الأسباب الموضوعية للانتفاضة الشعبية السلمية عام ٢٠١١ وما تلاها من قمع وقتل واعتقال تعسفي وتعذيب، وقد كانت قضيتي إحدى النماذج الواضحة في ذلك التقرير. يضاف الى جميع ذلك، أن فريق الأمم المتحدة الخاص بالاعتقال التعسفي قد نظر في ملف قضيتي وتوصل عام ٢٠١٢ إلى قرار قطعي بأن محاكمتي لم تكن عادلة وأن إستمرار وجودي في السجن هو اعتقالٌ تعسفي. ومنذ ذلك الحين توالت تقارير المنظمات الدولية في ذات الاتجاه وطالبت بإطلاق سراحي و سراح جميع سجناء الرأي والسجناء السياسيين في البحرين.

ثالثاً: في ما يتعلق بالسوابق الجنائية والتي ارفقتها النيابة العامة بأوراق القضية:

فقد كانت حافلة ب ١٩ قضية من العام ٢٠٠٤ وحتى الآن. وبمراجعة دقيقة لهذه القضايا نجد التالي:

١. أربعة من هذه القضايا كانت قد تحركت فيها النيابة  قبل عام ٢٠١١ وهي جميعاً مرتبطة بنشاطي في حقوق الإنسان. ومنها ما جاء في كشف النيابة حول إلقائي خطاب في حشد جماهيري في يناير ٢٠٠٩ وكانت التهمة “التحريض على كراهية النظام”. ومنها أيضاً قضية رفعها ضدي جهاز أمن مطار البحرين في مارس ٢٠١٠ لتبرير إنزالي من الطائرة حين كنت متوجهاً إلى دبلن بجمهورية ايرلندا للمشاركة في إدارة المؤتمر الدولي للمدافعين عن حقوق الإنسان.

٢. يُِظهر كشف السوابق الذي قدمته النيابة أيضاً بأن بقية القضايا الخمسة عشر قد وقعت وتحركت النيابة فيها ضدي خلال فترة وجودي بالسجن منذ العام ٢٠١١ وحتى الآن. حيث أن ستة من هذه القضايا جنائية وتسعة منها قضايا إدارية.

فيما يتعلق بالقضايا الجنائية، فقد تضمنت:

الإدعاء ضدي في أكتوبر ٢٠١١ وأنا في داخل السجن، “بإذاعة أخبار كاذبة والتحريض على كراهية النظام ..إلخ”. وفي أبريل تم اتهامي “بإهانة موظف عام” وهو شرطي سوري متهم بتعذيب السجناء. وفي أبريل ٢٠١٧ تم إتهامي “بتقديم بلاغ كاذب ضد ضباط بالسجن” بأنهم ساهموا في تعذيب نزلاء.

ويأتي بعد ذلك القضيتان المنظورتان حالياً أمام محكمة الإستئناف. الأولى تتضمن تهمة “إتلاف عمد” في نوفمبر ٢٠٢١ على خلفية احتجاجي وإضرابي عن الطعام وذلك لمنعي من الاتصال ببناتي زينب ومريم المقيمتان خارج البحرين والناشطتان في حقوق الإنسان.

والقضية الثانية هي اتهامي بأني في مارس ٢٠٢٢ قمت “بإهانة دولة أجنبية” وهي إسرائيل، و”إهانة موظف عام” وهو شرطي يمني[2] متهم بتعذيب سجناء، خصوصاً عام ٢٠١٥ ومنهم السجين زهير عاشور الذي تم نقله معنا منذ أبريل [3]٢٠٢٢. أما القضية الجنائية الأخيرة الواردة في كشف النيابة والتي هي في مرحلة الاستدلال ولم يتم تحويلها للمحكمة بعد، فهي اتهامي بجناية “التحريض على قلب نظام الحكم أو تغييره” بإعتبار أنني في يوليو ٢٠٢٢ قمت بإطلاق شعارات بإسقاط وزير الداخلية باعتباره مسؤول عن تعذيبي وإسقاط عملاء إسرائيل. وهذه القضية ترتبط باحتجاجي على التطبيع مع إسرائيل رغم ما تفعله بالفلسطينيين وباحتجاجي على حرماني من العلاج الضروري لآثار التعذيب.

أما فيما يتعلق بالقضايا الإدارية التسع:

التي احتوى عليها سجل السوابق الذي قدمتهم النيابة العامة، فإنها جميعها تتعلق بالإضراب عن الطعام أثناء وجودي في السجن وذلك في فبراير ثم أكتوبر 2012 ، ومارس 2013 ، ويناير ثم أغسطس 2014، وأبريل ويونيو ثم نوفمبر 2017، وفبراير 2018، ونوفمبر 2021. وهي جميعاً إضرابات احتجاجية على التعرض للتعذيب وسوء المعاملة أو الحرمان من الحقوق الأساسية كالعلاج و التواصل مع الأهل أو العقوبات الجماعية أو ما وقع من حملات تعذيب للسجناء في المباني الأخرى.

رابعاً: إن تصاعد التفاعل الدولي الإيجابي مع قضايا سجناء الرأي والسجناء السياسيين في البحرين واستمرار طرح قضيتي وقضايا السجناء الآخرين بالمحافل الدولية و من ثم ترشيحي لجائزة حقوق الإنسان عام 2021 وحصولي على تلك الجائزة عام 2022، كل ذلك قد تسبب في التصعيد في استهدافي واستهداف سجناء آخرين، و خصوصاً اولئك الذين يقومون بالاحتجاج أو ينجحون في كشف حقيقة ما يجري في داخل السجن، وذلك عبر الترهيب والحرمان من الحقوق الأساسية وتقييد الاتصال بالخارج وثم آخراً وليس أخيراً فبركة قضايا جنائية للردع وتشويه السمعة. وهذه هي الخلفية الحقيقية للقضايا المرفوعة ضدي وضد المئات غيري من سجناء الرأي والسجناء السياسيين في البحرين.

خامساً: لقد كان الكشف عن سياسة التمييز بين السجناء في ما يتعلق بتطبيق قانون العقوبات البديلة محرجاً للسلطات، التي تبذل الكثير من الجهد في الترويج لتحسين سمعتها في مجال حقوق السجناء. ويبدو أن السلطات قد وجدت بأن الوسيلة المثلى لتبرير استبعادي ومئات من سجناء الرأي والسجناء السياسيين من الاستفادة من هذا القانون هو بإصدار قرارات وأحكام جنائية ضد هؤلاء السجناء تبريراً لاستبعادهم من القانون الذي يشترط حسن السيرة والسلوك في السجن.

سادساً: فيما يتعلق بتفاصيل القضيتين المنظورتين حالياً أمام محكمة الاستئناف، فإن الشاهد الرئيسي في القضيتين هو النائب العريف مروان الخضيري وهو شرطي معروف بتعذيب عشرات السجناء وخصوصاً في العام 2015 وأحد ضحاياه هو الشيخ زهير عاشور حيث قام بضربه على جميع أنحاء جسده لثلاثة أيام متواصلة و رأسه مربوط في كيس، وهناك العديد من القضايا الاخرى التي تم توثيقها ضده وارفقها بهذه الرسالة. فهذا الشخص ليس فقط نموذج للتعذيب الممنهج والإفلات من العقاب وإنما دليل على سياسة تمكين المرتكبين للتعذيب و تسليطهم على السجناء كوكلاء مسؤولين عن إدارة شؤون المباني. وقد سبق أن كتبت شخصياً عن هذا الشخص وهذه السياسة الى مدير السجن ولكن دون جدوى.

سابعاً: في القضية المرتبطة باحتجاجي يوم 14 نوفمبر 2021 وذلك على خلفية منعي من الاتصال بابنتاي المقيمتان في الخارج، كان مسؤول المبنى والحاضر أثناء الاحتجاج هو رئيس العرفاء اليمني صالح محمد الوصابي ولكنكم تجدون في أوراق الدعوى التي قدمت إلى المحكمة الشهر الماضي بأن الشاهد الوحيد في هذه القضية هو نائب العريف المُعذِب مروان الخضيري والذي ادّعى بأنه كان مسؤول المبنى ولم يكن معه شاهد آخر. وهذا مثال على ما يحدث من تلاعب في الأدلة المرتبطة بالقضايا الموجهة ضدي وضد غيري من السجناء.

ثامناً: في دراسة ملف هذه القضية والقضايا المشابهة فإننا أمام شبكة معقدة من القوانين والإجراءات والمؤسسات الأمنية والحقوقية والقضائية التي تعمل بانسجام تام فيما بينها. فنحن أمام نموذج لدولة مؤسسات وقوانين تم إعدادها وتطويرها بعناية لانتهاك حقوق السجناء وخصوصاً المخالفين للنظام وليس لضمان تلك الحقوق.

والفضل في ذلك يعود بشكل كبير إلى الحكومة البريطانية التي لم تكتفي بترسيخ النظام القائم وبناء أجهزته الأمنية أيام الفترة الاستعمارية حتى عام 1970 وكانت حينذاك تقوم بشكل مباشر بقمع الاحتجاجات وسجن ومحاكمة المعارضين في البحرين فإنها تقوم اليوم باستعمال البحرين كقاعدة عسكرية وأمنية واقتصادية في مقابل تقديم الدعم التقني والاستشاري للاجهزة الأمنية في البحرين، و تدافع عن ممارسات الحكومة في المحافل الدولية. والسفارة البريطانية تعقد اجتماعات شهرية مع الأجهزة الأمنية والحقوقية الرسمية وتجد المستشارين وخصوصاً من ذوي الخبرة في السجون سيئة السمعة في ايرلندا الشمالية وتقيم الورش التدريبية والدورات بمساعدة جهات أكاديمية بريطانية ترتبط بشخصيات مثل الأمير أندرو المتهم في قضايا التحرش الجنسي بقاصرات. وهناك أيضاً الهدايا الثمينة من جهة واحدة إلى القصر الملكي البريطاني بما في ذلك الخيول العربية الأصيلة. كما أن الدبلوماسيين البريطانيين في البحرين يفكرون بمصالحهم الشخصية، حيث أن العديد منهم يعودون بعد تقاعدهم للخليج في شراكات تجارية ومالية. وقد رأينا كيف أن السفير البريطاني إيان ليندسي والذي خدم في البحرين كسفير في الفترة من 2011 إلى 2015، وهي أكثر السنوات حساسيةً بعد الانتفاضة الشعبية. حيث كان هذا السفير قد لعب دوراً خبيثاً خلال تلك السنوات، ثم عاد إلى البحرين في ديسمبر 2020 ليحصل على مكافأته بتعيينه في وظيفة مستشار في مجلس التنمية الاقتصادي في البحرين.  وربما نشهد في الفترة القادمة دوراً فعالاً للمستشارين الاسرائيليين الموجودين حالياً في البحرين فيما يتعلق في نقل خبرتهم في قمع الشعب الفلسطيني ونقل تلك الخبرة إلى أجهزة الأمن والنظام القضائي البحريني.

وختاماً، فإن ما جرى ويجري عليّ ليس سوى نموذج لمئات القضايا الأكثر سوءاً وشدّةً ضد السجناء المحرومين من أي صوت أو قدرة على الدفاع عن أنفسهم. وأنني سأواصل بكل ما أستطيع الدفاع عن حقوقي وحقوق السجناء بمختلف أساليب الاحتجاج المشروعة فالاستسلام و الإنكسار، ليس خياراً مناسباً لي. وأن أي حكم تصدره محكمتكم أو أي محكمة أو قاض يكشف عن حقيقتكم. وتلك الأحكام لا تبطل حقّاً ولا تحقّ باطلاً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عبدالهادي الخواجة

سجن جو 

[1] تم تصحيح التسجيل الصوتي الذي ذكر مارس وابريل ٢٠١١

[2] تم تصحيح جنسية الشرطي حيث ذكر أنه سوري في التسجيل الصوتي.

[3] ذكر في التسجيل الصوتي “هذا العام”.

شارك